خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 28-6-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 28-6-2019

00000 069

نص الخطبة

 يقول  تعالى:  (وجعلنا من الماء كل شىء حي ) الانبياء / 30

نعزي صاحب العصر والزمان وعموم المسلمين والمؤمنين بذكرى شهادة الامام السادس من أئمة أهل البيت(ع) وهو الامام جعفر الصادق(ع) .

الماء الذي تتحدث عنه الآية  الكريمة هو الماء النقي  الذي يشتمل على المكونات الأساسية  دون أية  ملوثات تغير من خصائصه الكيميائية أو الحيوية .

ولا شك ان الماء النقي هو نعمة الهية وهو سبب حياة كل شيء، الانسان والحيوان والنبات وسائر الكائنات، ولذلك الحفاظ على هذه النعمة وهذه الثروة ؛ هو جزء من الحفاظ على حياة الانسان وحياة الكائنات الحية المسخرة له، لانه لا بقاء لهذه الكائنات بدون الماء، كما أنه لا بقاء للبيئة كلها في ظل عدم وجود الماء العذب الصالح للاستخدام.

والماء هو عنصر اساسي من عناصر النظام البيئي في القرآن الكريم،  ولأهمية هذا العنصر للانسان والحيوان والنبات وسائر الكائنات , فقد ذكره القرآن الكريم  اكثر من اربعين مرة وذكر مصادره الخمسة: الأمطار و الأنهار  والبحار  والعيون  والآبار  الجوفية في العديد من الآيات الشريفة..

فقد ذكر ماء المطر بقوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) الرعد 17 وفي آية أخرى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) الحج:63.

وذكر الأنهار في قوله تعالى: (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) البقرة / 74

وذكر البحر  وصفاته وخصائصه بقوله تعالى: (أو كظلمات في بحر لجيٍ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلما ت بعضها فوق بعض اذا أخرج يده لم يكد يراها) .

وأما العيون فذكرها القرآن بقوله تعالى: (وجعلنا  فيها جنات من نخيل  وفجرنا فيها من العيون). يس /34

ووردت لفظة البئر بقوله: (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها  وبئر معطلة وقصر مشيد) . الحج /45

أما الآبار الجوفية والمخزونات الجوفية فتمت الاشارة اليها بقوله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض ) الزمر /21

إنّ تصرفات الإنسان وسوء استخدامه لهذه النعمة الالهية يمثل التهديد الأكبر للثروة المائية وللبيئة عموما، فلو كف الإنسان أذاه عن هذه الثروة وأدارها بالطريقة الصحيحة لكانت بألف خير ولما كانت لدينا أزمة مياه، لكن الهدر في المياه والاسراف فيها وتلويثها واهمال الانهر والينابيع وعدم اقامة السدود وعدم انشاء مشاريع جر المياه للاستفادة منها، كل ذلك يجعل هذه الثروة مهملة وبلا جدوى وبلا فائدة في الوقت الذي نحن وكل البشر بأمسّ الحاجة الى هذه الثروة.

هنا في لبنان المواطن يعاني من نقص المياه ويضطر الى شراء الماء أكثر من مرة لحاجته اليه، بسب سوء ادارة هذه الثروة، مع ان لبنان يملك من الانهار والينابيع ما يروي أكبر من لبنان، لكن مع الاسف معظم مياهه تهدر في البحر، عدا عن حالة التلوث التي تصيب بعض الانهار كنهر الليطاني الذي يعتبر من اهم الثروات المائية التي يملكها لبنان.

الهدر في استعمال الماء، والاسراف في استعماله، وتلويث المياه بوضع النفايات والاوساخ فيها، يعود بالضرر والأذى على الانسان نفسه اولا ثم على الاخرين، فالشخص المسرف او الملوث يظلم نفسه ويظلم غيره وبالتالي فان حماية هذه الثروة هي جزء اساسي من المصلحة الذاتية ومصلحة الغير، فهي مصلحة مشتركة، وحماية هذه الثروة والحفاظ عليها واستعمالها بالشكل الصحيح من دون تعديات هو ما أكدته تعاليم ديننا.

فديننا شدد على الحفاظ على هذه النعمة الإلهيّة، والذي يدقق في القرآن الكريم وفي السنة النبوية واحاديث اهل البيت(ع)  يجد بوضوح مجموعة من القواعد والتشريعات والتدابير التي من شانها المحافظة على كميات المياه العذبة النقية القليلة والشحيحة من جهة، والمحافظة على المخزون الاستراتيجي للمياه خاصة مياه الأنهار والمياه الجوفية وغيرها من جهة اخرى .

بل ان من ينظر الى وصايا النبي (ص) واهل بيته(ع) في الحفاظ على الثروة المائية يجد ان الاسلام يسعى الى تحقيق أمن مائيا للانسانية جمعاء، والبشرية اليوم في الالفية الثالثة احوج الى الاخذ وتطبيق منهج الاسلام في حماية الثروة المائية، خاصة ان نسبة المياه السائلة العذبة التي تصل نسبتها الى 8% تعاني من مشاكل التلوث الخطيرة الامر الذي يعني ان معاناة الانسان المعاصر لن تكون في شح الماء وقلته بل ستعاني هذه الكمية القليلة من الماء من مصادرالتلوث الخطيرة ايضا.

لقد اعتبر الاسلام ان ادارة وحماية الثروة المائية تكون من خلال مراعاة أمرين أساسيين:

الأول: ترشيد استهلاك الماء في كافة الاستخدامات والاستعمالات، والاقتصاد في صرفه، فالحفاظ على الماء يكون بعدم هدره وعدم الإسراف والتبذير في استخدامه،  عدم إهدار الماء حتى في الشرب، فمن المشاهدات التي نراها في حياتنا اليومية ان احدنا يشرب نصف الكوب ويهدر الباقي، او قد لا يستخدم عند الشرب كوبا بل يستخدم كفيه مثلا لاخذ الماء النقي من موارد الماء سواء أكانت سبيلا او برادا للمياه في الشارع أو المدرسة أو المؤسسة او المسجد أو أي مكان يتواجد فيه الماء فيشرب القليل ولكنه يهدر الكثير، فقد قال الله سبحانه: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) وعن الإمام الصادق (عليه السلام): أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء .

فالاسراف في استعمال الماء حتى في الشرب هو سلوك الخاطيء من شأنه اهدار كميات كبيرة من الماء وغالبا لا ننتبه اليها وقد تقدر بما يقارب50% من الماء فالانسان يشرب مثلا ربع لتر فيفقد بتلك الطريق ربعا آخر من الماء وهو لا يدري . وكذلك من مواردالاسراف انه احيانا خلال تنظيف البيوت او مداخل البنايات او اثناء غسيل السيارات اوما شابه يسرف الانسان في صرف المياه اكثر من الحاجة،

البعض يترك حنفية المياه مفتوحة احيانا على الشارع العام او يترك خزانات المياه على السطوح تفيض وتذهب هدرا لساعات او يهمل اصلاح انبوب يهر الماء او ما شاكل، وكذلك احيانا يسقي الانسان المزروعات بمقدار أزيد من الحاجة في الوقت الذي ينبغي مراعاة مقدار الحاجة في سقي المزروعات والحدائق والازهار ، فإن الإسراف في الريّ بالماء يؤدي إلى إحلال المياه محل الهواء الموجود في داخلها، ممّا ينتج عنه عجز الجذور النباتية عـن التنفس فضلاً عن تعفنها وتحللها بسبب تأثير المياه التي تشبعت بها حبيبات التربة، ويستطيع كل واحد أن يجرِّب ذلك فإذا سقى الحديقة ماءً كثيراً تكـون الفاكهة فاسدة بينما إذا سقاها بقدر الحاجة تكون الفاكهة جيدة.

ايضا احيانا يبالغ الانسان في تغيير مياه برك السباحة وتجديدها بشكل دائم بالماء العذب الذي يذهب هدرا .. كل هذه الممارسات من موارد ومصاديق الاسراف التي تؤدي الى هدر ملايين الامتار المكعبة سنويا من الماء العذب الذي يحتاجه الانسان في حر الصيف اللاهب حيث تتزايد الحاجة الى الماء في هذا الفصل اكثر من غيره من الفصول.

واليوم قلة المياه وعدم كفايتها لسد حاجات البشر نتيجة الإسراف وسوء الاستخدام هي احدى المشكلات الكبرى في العالم.

بل ان الاسلام نهى عن الاسراف في صرف الماء حتى على الوضوء والغسل والطهارة .

والمقصود بالإسراف في الوضوء والغسل هو إستهلاك الماء زائداً عن المقدار الذي ترتفع به الحاجة و يتم به الوضوء أو الغُسل حتى و لو كان الماء متوفراً ، لأن الإسراف ثقافة خاطئة لا مبرر لها ولا بُدَّ من تصحيحها في شتى جوانب الحياة الفردية و الاجتماعية حتى في الوضوء والغسل التي هما من مقدمات العبادات.

فقد مرّ النّبيّ ( صلَّى اللَّه عليه و آله ) بسعد و هو يتوضّأ، فقال: ما هذا السّرف‏ يا سعد؟!

فقال سعد : أفي الوضوء اسراف ؟

قال: “نعم، وإن كنت على نهر جار.

ورُوِيَ عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ: “إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يَكْتُبُ سَرَفَ الْوَضُوءِ كَمَا يَكْتُبُ عُدْوَانَهُ” .

وقد يجتمع الاسراف و التبذير حين الوضوء والغسل فيرتكب الإنسان ذنبين، كأن يترك الماء يجري و يذهب هدراً وهو مشتغل بالوضوء أو الغُسل.

والفرق بين التبذير والاسراف هو أن الاسراف يُطلق على تجاوز الحد في الانفاق والصرف، لأن الحد المسموح به في الصرف والانفاق هو ما ترتفع به الحاجة، فيكون الزائد إسرافاً، وأما التبذير فهو الصرف في غير الوجهة الصحيحة.

ولذلك لا بد من الاعتدال في صرف الماء على الوضوء والطهارة، ولنا في رسول الله (ص) خير قدوة في هذا المجال، فقد كان مثالا متميزا في الترشيد والتوسط والاعتدال في وضوئه وغسله وطهارته، ففي حديث  أم سعد قالت : قال رسول الله (ص): يجزيء في الوضوء مد وفي الغسل صاع لان الصاع اربعة أمداد وسيأتي قوم يستقلون ذلك فأولئك خلاف سنتي  .

وروى جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال : يجزيء في الوضوء المد ومن الغسل من الجنابة الصاع فقال رجل : ما يكفيني  فغضب جابر حتى تربد وجهه ( تغير الى الغبرة) ثم قال : قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرا.

ومعنى ذلك انه (ص) كان يستهلك لترا واحدا في وضوئه وحوالي ستة لترات في استحمامه وفي ذلك ارشاد نبوي عظيم  لملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم الذين يتوضأون في اليوم والليلة خمس مرات الى وجوب الترشيد في استعمال الماء حتى لو قام أحدهم الى تأدية أعظم وأشرف العبادات وهي الصلاة.

ان الاقتداء بالنبي(ص) في حسن استخدام الماء في الوضوء او الاستحمام او الزراعة او الصناعة او نحوها يوفر ملايين اللترات يوميا  وبالتالي توفير ماء عذب نقي لملايين الاشخاص في العالم.

والثاني: المحافظة على نظافة الماء ونقائه وعدم تلويثه او تلويث مصادره بإلقاء النفايات والاوساخ في مجاري المياه والانهر، وهناك نهي شديد عن التبول او التغوط وترك القذارة الانسانية في الانهر والمجاري او حتى في البحر.

فللاسلام منهج متميز في مكافحة تلوث مصادر المياه الأمر الذي يجعلنا كمسلمين في الألفية الثالثة نشعر بالعزة بأن منّ الله تعالى علينا بهذا النبي العظيم وبأهل بيته الذين علمونا الآداب والأخلاق والحكمة والسلوك الانساني النبيل الذي نزداد به رفعة ومكانة في زمن التقدم والتطور العلمي وغزو الفضاء والكمبيوتر والانترنت.

فقد نهى النبي(ص) عن الاغتسال في الماء الراكد أي الواقف الذي لا يجري ولا يتجدد  حتى لا يتلوث بما يكون على سطح الجسم من أوساخ وافرازات وبالتالي حتى لا يتلوث بالجراثيم والميكروبات.

فقد روي عنه(ص) انه قال: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم( اي الراكد وغير الجاري) وهو جنب فقالوا كيف ؟ قال : يتناوله تناولا  .

ونهى النبي(ص) عن التبول في الماء الراكد.  فقد روي انه قال(ص) : (لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لايجري ثم يغتسل فيه) او يسبح فيه، لأنّ تلوث الماء ببول الانسان قد يكون قد يعرض الانسان للاصابة بالامراض الطفيلية .

ونهى الاسلام عن التبرز في الماء، ففي الحديث عن الباقر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُتغوّط على شفير بئر ماء يُستعذب منها، أو نهر يُستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها.

وعنه (ص) انه قال : اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الماء، وفي الظل، وفي طريق الناس.

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): أنه يمنع التغوّط على شطوط الأنهار.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: “وكره أن يتبول في الماء الراكد.

فالقاء فضلات الانسان والحيوانات في المياه  يسبب تكاثر الميكروبات في الماء التي تسبب بدورها الكثير من الامراض والأضرار والآثار المدمرة ، ومن جهة أخرى فانّ  تصريف مياه الصرف الصحي ومياه المجاري في الأنهار والبرك  وشواطىء البحر يؤدي الى تلويث مياه هذه الموارد المائية بالطفيليات والفيروسات والروائح الكريهة وانتشارٍ الأوبئة المختلفة. والاضرار بحياة الكائنات الحية كالأسماك  التي تعيش فيها.

ومن الملوثات الخطيرة التي تتعرض لها الموارد المائية المخلفات الزراعية والنفايات الصناعية التي يتم التخلص منها برميها في الأنهر او في البحر.

تُظهر نتائج بعض الدراسات الصادرة عن  مصلحة الأبحاث الزراعية، ان مياه لبنان بمعظمها ملوثة بنسب متفاوتة، تلوثاً جرثومياً وكيميائياً وبالمعادن الثقيلة. و”وصلت نسبة التلوث في بعض الشواطىء لا سيما الصناعية وذات الكثافة السكانية الى نسبة 100%،  ونهر الليطاني ملوث والصرف الصحي هو مصدر التلوث الرئيسي لنهر الليطاني ومياهه لا زالت غير صالحة للري

المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة، ولكن كل إنسان مسؤول ، وعلى البلديات مسؤولية أيضا، الجميع معني بالحفاظ على الثروة المائية في لبنان والامتناع عن رمي الردميات والبقايا والفضلات والنفايات في الانهر واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين، يجب ألا نخاف من أحد عندما يكون هناك مصلحة عامة او يكون هناك ضرر يطال الجميع.

وفيما يخص الليطاني المطلوب اتخاذ إجراءات فورية لرفع الثلوث، والسرعة في تنفيذ المشاريع المقرة، من أجل رفع الضرر والاستفادة من مياه هذا النهر الذي يعتبر ثروة وطنية واقتصادية للبنان.

الورشة الاقتصادية التي عقدت قبل يومين في البحرين هدفها التمهيد لاطلاق صفقة القرن وتعزيز وترسيخ سياسة التطبيع العربي لا سيما الخليجي مع اسرائيل الذي بدأ قبل سنوات بأشكال مختلفة وسرا وعلنا، لكن لا صفقة القرن يمكن ان تكتب لها الحياة ولا المؤتمرات والندوات والورش يمكنها ان تقنع الشعوب بالتطبيع مع اسرائيل فاسرائيل كانت ولا تزال وستبقى في نظر الشعوب العربية والاسلامية كيان غاصب قائم على الاحتلال والعدوان والقتل والارهاب ولا يمكن التعايش معه او القبول باحتلاله لارض فلسطين.

وقد عبرت الشعوب العربية والاسلامية على مدى الايام الماضية في اكثر من بلد عربي وفي فلسطين وفي المخيمات خارج فلسطين عن رفضها لصفقة القرن ولمؤتمر البحرين وللتطبيع مع اسرائيل، ونأمل ان يعم الرفض وبكل الاشكال كل الدول العربية والاسلامية ليشعر المطبعون انهم في عزلة حقيقية .

أما في لبنان فقد اجمعت القوى السياسية على رفض صفقة القرن ومقاطعة مؤتمرالبحرين لان الجميع في لبنان بات يدرك مخاطر وتداعيات هذه الصفقة على لبنان لا سيما فيما يتعلق بتوطين الفلسطينيين الذي يرفضه الفلسطينيون واللبنانيون جميعا ايمانا منهم بحق العودة  الذي هو حق مقدس لا يجوز التنازل عنه.

ستسقط الصفقة وسيسقط معها قرن الشيطان وستحرر فلسطين بالمقاومة وستكون القدس عاصمتها الابدية .

المصدر: موقع المنار

البث المباشر