ما بين أسوار الحصار.. كفريا والفوعة.. تذبحان بسكين التجويع – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ما بين أسوار الحصار.. كفريا والفوعة.. تذبحان بسكين التجويع

كفريا والفوعة
كفريا والفوعة
خليل موسى

عبر الصور المجتمعة، والمشاهد المتراكمة في ذاكرتهم المدماة، يجمعون كلماتهم، يحاولون تركيب جمل تربطها دموعهم البريئة، لإيصال صورة ما يعتري أقرانهم من أطفال يأكل الحصار أجسادهم،  هُم الأكثر قدرة على نقل الحقيقة، حيث لا مجال للمراوغة فيها على ألسنتهم، فهموم الحصار جعلت منهم أكبر سنّاً، وأكثر إحساسا بالمسؤولية، لكنها لم تستطع أن تجردهم من براءتهم.

أصواتهم المخفية خلف اختناق بكاءهم، تناضل لتتحدث مناجية فك الحصار البعد، الماكث وسط بحر من الإجرام، تتوغل فيه ممارسات الباطش التكفيري، أصواتٌ تتيح للسامع أن يفتح نهراً من دموعه دونما أن يشعر إلا بغرق الضمير الإنساني في بركة من دماء السوريين الأبرياء.

موقع المنار حصل على تسجيلات وصور ورسائل مصورة بالفيديو، عبر الباحث الإعلامي لؤي حاج حسن القادم من كفريا والفوعة، حيث نقل عبر لقاء خاص لموقعنا واقعا مريراً يعيشه أهالي البلدتين، تحدث خلالها عدد من الأطفال والنساء، فكانت لوحة من الماء المقطر، تذرفها عيون أطفالٍ يشهدون الويلات،بقيت في ذاكرتهم الصور المُذلّة والمُهينة لكونهم فارقوا أهلاً، وودعوا أقارب وأخوة وآباء، وتفرقت أسرهم، أو انقسمت عبر الموت القسري لطفولتهم التي تطلب من ينقذ فُتاتها وبقاياها، قبل أن تغدوا هي الأخرى ذكريات مؤلمة عنونها الموت جوعا وقهراً.

كفريا والفوعة خلال الحصار
الحكاية بدأت منذ أكثر من سنتين، قبل سقوط كامل محافظة إدلب بيد تكفيريي جبهة النصرة، أربع سنوات تدَرَّج خلالها الحصار في مراحل المعاناة على سكان البلدتين القابعتين في الزاوية  الشمالية الشرقية للمدينة، على مقربة من الحدود السورية التركية، حيث تشكل تلك المنطقة جزيرة صمود وسط بحر هائج من التكفيريين، تكفيريين أتو وجلبوا معه الخراب والموت.

في الفترة الأخيرة، ومع وصول الحصار إلى أقصى مراحله، منذ حوالي عام ونصف العام مرا على الأهالي المتبقين هناك، دخلت البلدتان حالة أشبه ما تكون ببداية الانقراض أو الإبادة الجماعية البطيئة، تمارسها مجموعات مسلحة مختلفة الجنسيات ينتمون إلى جبهة النصرة الإرهابية، فلا إمكانية متوفرة للحصول على الطعام أو الماء الصالح للشرب أو أيّ من مقومات الحياة الأساسية الأخرى، فالدواء أصبح حلما يراود محتاجيه كما حال الخبز تماماً، ولو أراد الأهالي أن يشربوا الماء لوجدوا إكراها في ابتلاع ما يتوفر في هذا الماء من عوالق، وأمراض. لم تتوقف معاناة التجويع عند هذا الحد، تكفيريو جبهة النصرة عمدوا إلى قنص المواشي كي لا يستفيد منها أهالي البلدتان.

طفلة من أطفال كفريا والفوعة
طفلة من أطفال كفريا والفوعة

تفاصيل عن انعدام الاحتياجات الرئيسية لمتابعة الحياة
خلال نقل الناشط والباحث الإعلامي لؤي حاج حسن لواقع الحال في كفريا والفوعة، عرض لموقع المنار فيديوهات تثير غصة كبيرة في القلب، غصة تصل حد الشعور باليأس من هول الفاجعة المحدقة بأهالي البلدتين جراء الحصار المستمر، حيث بدا بالحديث عن الأهالي الذين خرجوا من كفريا والفوعة، فهنا في ريف دمشق يقطن مجموعة من الأهالي استطاعوا المغادرة على ضوء التبادل خلال اتفاقية الفوعة كفريا والزبداني منذ أكثر من عام.
لكن ما يزال هؤلاء يحتفظون بما اختزنت عيونهم من مشاهد وأحداث عاشوها وشعروا بها تماماً، وما زالت مستمرة حتى اللحظة بتصاعد تدريجي خانق في وتيرتها.

أكثر ما يثير النقمة على الأوضاع، رؤية طفل لا يستطيع أن يأكل وهو هنا في ريف دمشق، رغم توفير ما أتيح له من إعانة تؤمنها الدولة السورية، والسبب شعوره بالعار والمهانة لمجرد أن أقرانه في الحصار لا شيء لديهم يأكلونه، أبسط أمانيهم أن يبتسموا وأعظمها رغيف خبز  يملأ أمعاء من يتوارون خلف بحر التكفيريين.

يقول ضيفنا، صوت الاستغاثة لا يمكن سماعه إلا بأصعب الطرق، لكن بجهد كبير استطاع التواصل مع أهله في البلدتين، ويوضح، أن الآباء يبكون لمجرد عجزهم عن إيجاد ما يوضع على مائدة أسرهم الخاوية كأمعائهم في غالب الوقت، خاصة عندما يقول لهم احد أطفالهم “لا يوجد شيء هنا لنأكله”، فالحال وصل إلى أوجه، كما ذكر لؤي حاج حسن.

وينقل حاج حسن عن الأهالي، خلال ما وجهوه من نداء عبر لقاء خاص مع موقعنا ، “أن محاولات الطائرات إلقاء الأغذية للمحاصرين باتت شبه مستحيلة لأن المسلحين التكفيريين القائمين على تشديد الخناق على مدنيي كفريا والفوعة، يستهدفون المظلات التي تحمل بحبالها ما تلقيه الطائرات فلا تسقط في أراضي البلدتين، إنما يستولي عليه المسلحون وهذه جريمة بحد ذاتها”.

التواصل شبه معدوم بسبب ضعف شبكات الاتصال، حيث قام التكفيريون باستهداف أبراج الهاتف ، وإن حاول السكان الخروج إلى مكان مرتفع من أجل الحصول على اتصال ولو كان رديئاً، فإنهم يتعرضون للقنص مباشرة.
يتابع حاج حسن حديثه جلب الماء يتم من خلال عربات صغيرة أو أواني يحملها الأطفال والرجال على حد سواء، لكن قطع الطرقات باتجاه الماء رغم معرفتهم بتلوثه يشبه مغامرة فإما أن يعودون بالماء المتاح هذا أو أن تصل أخبار إصابتهم او استشهادهم.

kafrya

ومن خلال وصفه فإن القذائف إعصار يومي يزور الشوارع والبيوت، فتودّع تلك البيوت عددا من سكانها، لكن حتى الجنازات لا تسلم من حقد التكفير المتربص بالناس الأبرياء، ولا حرمة للشهداء لدى هؤلاء المجرمين.
الدواء بات من المستعصيات على منال من يحتاجه، فعلاوة على الامراض المزمنة من ضغط الدم والسكري، يتفشى الآن عدد كبير من حالات التهاب الكبد، وعدد أكبر من حالات التهاب الأمعاء التي تؤدي بدورها إلى مراحل متقدمة من المرض تليه الوفاة جراء العجز عن تقديم أي نوع من العلاج، فحتى المسكنات باتت مفقودة داخل أسوار الحصار.

فوق هذا كله، لا إمكانية أيضاً لدى الأطفال هناك من ممارسة أي حق لهم، فلا يمكنهم إلا المكوث تحت مراقبة الاهالي في مراكز الإيواء والملاجئ، فهم سجناء في تلك الأبنية ومن غير الممكن الخروج إلا ما ندر وللحاجة الضرورية جداً، وفي حال خرجوا بات أغلبهم يمشي حفاة لعدم التمكن من إدخال أي شيء من مواد وألبسة.

كما يعاني الأهالي في حال وصلهم أيٌّ من المواد الغذائية عن طريق ثغرات يختلقها التجار، من ارتفاع جائر في أسعارها في حين لا يملكون ما يضعونه في جيوبهم سوى الخيبة والقهر ولوعة الحرمان.

ما إن تستمر هذه الحالة أيام معدودة أخرى، حتى تصل الكارثة الإنسانية إلى أوجها في البلدتين المحاصرتين، وحينها لن يتمكن أي من المنظمات الدولية التي فقدت مصداقيتها عند من يعاني ويلات الحرب والحصار، من أن تفعل أي شيء سوى اصدار بيانات إدانة للجريمة المتوقعة في حال استمر الحصار مدة أطول.

 

صورة من بلدتي كفريا والفوعة
صورة من بلدتي كفريا والفوعة
من أطفال كفريا والفوعة
من أطفال كفريا والفوعة